الى رجل يخاف البحر

إلى رجل يخاف البحر



سعاد الصباح


أَلْغَيْتُ مَوْعِدُ السَّفَرِ مَعَكْ
لأنَّ دُوَارَ البَحْرِ يُتْعِبُكْ
وَلأنَّ صُدَاعَ الحُبِّ يُتْعبُكْ
ولأنَّ جِلْدَكَ الطَّرِى كَالْقَطِيْفَة
لا يَتَحَمَّل مُلُوحَةَ البَحَرْ
وَعَضَّاتِ أسْمَاكِ القِرْش
مَزَّقْتُ تَذْكَرَةَ السَّفَرْ
وَقَرَّرْتُ أَنْ أُعْفِيْك
مِنْ تَقَلُّبَاتِ الطَّقس
وَرَائِحَةِ السُّفُن
وَجُنُونِ المَسَافَة
لأنَّ قُبُلاتِى لَكَ تُسَبِّبُ الْحَسَاسيَّة
وَالنَّوْم عَلَى سَطْحِ المَرَاكِب
يُوَسِّخ قَمِيْصَكَ المُنَشَّى
وَشَعْرُكَ الْمُصَفَّف
لَدَى أَمْهَرِ حَلَّاقِى المَدِيْنَة ..
*
إِبْقَ هُنَا يَا صَغِيرِى ، عَلَى اليَابَسَة
فَذَاكِرَتُكَ كَذَاكِرَة الحَجَر ..
لا تَحْتَمِلُ الهِجْرَاتِ الكُبْرَى
إِبْقَ مُوَاطِنًا فِى مَمْلَكَةِ الشَّجَر
حَيْثُ التَّجَوُّل مَمْنُوعْ
وَتَغْيير العَنَاوِينِ مَمْنُوعْ
وَالانْقِلاب عَلَى التَّارِيْخِ مَمْنُوعْ
إِبْقَ ثَابتًا فِى مَكَانِكَ .. كَسَاعَةِ المَحَطَّة
أَو كَمُلْصَقٍ سِيَاسِى سَخِيْف
أو كَمَوقِفٍ إِجْبَارِى لأتُوبِيْسِ الدَّوْلَة ..
*
أَيُّهَا السَّيّد
الذِى يَضَعُ سَاقًا فَوْقَ سَاق
وَيَتَغَرْغَرُ بَفُتُوحَاتِهِ النِّسَائيَّة القَدِيْمَة
إِنَّنِى أُعْفِيْكَ مِنْ مُجَمَالَتِى
وَمِنْ مُرَسَلَتِى ..
وَمِنْ الظُّهُورِ مَعِى فِى شَوَارِعِ المَدِيْنَة
فَأَنَا لا أُرِيْدُ أَنْ أُوَرِطُكَ فِى اللعْبَة
لا أُرِيْدُ أَنْ أَجْعَلُكَ عَاشِقًا رَغْم أَنْفِك
وَشَهِيْدًا لِلْحُبِّ
رَغْم أَنْفِك ...
*
لا أُرِيْدُكَ أَنْ إصْبَعًا وَاحدا ..
أوْ شَعْرَة وَاحِدَهْ
أوْ جَوْهَرَة وَاحِدَهْ
مِنْ جَوَاهِرِ عَرْشِكْ
أَنْتَ رَجُلٌ مُتَّزِنٌ ، وَرَصِين ،
وَأَنَا امْرَأَةٌ فَوضَويَّهْ
أَنْتَ نَجْمٌ فِى عَلاقَتِكَ العَامَّه
وَأَنَا غَجَريَّهْ ..
لا تَعْرف أَقْنِعَةَ المُدُن
وَفَنَ العَلاقَاتِ العَامَّه ..
*
أَيُّهَا السَّيّد الذِى أَغْمَضَ سَيْفَه
وَنَسِى غَرِيْزَةَ القِتَال ..
إَنَّنِى أعْفِيْكَ مِنْ التِزَامِكَ العَاطِفِى نَحْوِى ..
أعْفِيْكَ مِنْ الخُرُوجِ فِى الليْلِ وَحْدك
لأنَّ البَرْدَ يُؤذِيْك
وَالسَّيْرَ مَعِى فِى الحَدَائِقِ العَامَّةِ يُؤذِيْك ..
وَالدُّخُولَ مَعِى إِلَى المَقَاهِى المُغْلَقَةِ يُؤذِيْك ..
إِنَّنِى أعْفِيْكَ ، أَيُّهَا السَّيّد مِنْ كُلِ شَىء ..
فَأَنْتَ رَجُلٌ لا يُتْقِنُ الألَم ..
*
إِبْقَ أيُّهَا الرَّجُل ، حَيْثُ أنْت ..
انْتَظِرْ قَهْوَتَكَ فِى الثَّامِنَة ..
وَجَرِيدَتَك اليَومَيَّة ،
فِى الثَّامِنَة وَالدَّقِيْقَة العشْرِين ..
وَإِفْطَارَ الصَّبَاحِ فِى التَّاسِعَة ..
إِبْقَ بَينَ ملَفَّاتِك ..
وَبَرِيْدِك .. وَسِيْجَارِك الكُوبِى
مَزْرُوعًا كَمَسَلّةٍ مِصْرِيَّة .
*
أيُّهَا الرَّجُل المَشْنُوق عَلَى حِبَالِ الوَقْت
إِبْقَ مَطْمُورًا تَحْتَ أرْقَامِكَ وَأَورَاقِك ..
إِبْقَ وَاقِفًا عَلَى مَرْفَأ الطَّمَأْنِيْنَة ،
أَمَّا أَنَا ..
فَمُسَافرَةٌ مَعَ البَحْر ..
ومُسَافرَةٌ مَعَ الشِّعْر ..
ومُسَافرَةٌ مَعَ البَرْق
مُسَافرَةٌ فِى كُلِّ الأشْيَاء
التِى لا تَعْرِف التَوقِيْت ..
***